القراءة

0


القراءة ..كلمة السرّ لنهضة الشعوب والأمم ، فهي إحدى أهم مفاتيح أبواب العلم الذي به تزدهر الأمم ،فالقراءة ليست مقصورة على الكملة والنّطق بها ، ولا مجرّد تعارف للحروف والكلمات ؛ بل هي استخلاص للمعنى وفهم وإدراك وتذوّق .إنهّا متعة النفّس وسياحة العقل فهي تنقل الفرد من عالم محدود الأفقِ إلى آخر أوسَع أفقاً وأبدع غاية . ولما كان للقراءة من أهميّة عظيمة ، نزلت أولى آيات القرآن الكريم " اقرأ" ، والسؤال هنا لمَ أمة اقرأ لا تقرأ ؟

إن تراجع مستوى القراءة وعدد القراء يعدُّ من أهم الأسباب وراء تخلّف العالم العربي وتراجعه ، وهنا تشهد الأرقام على ذلك ، حيث ذُكر في صحيفة الرأي الأردنيّة أن القارئ العربي لا يقرأ أكثر من ربع صفحة في كل عام ، بينما يقرأ الأمريكي 11 كتاباً ، ومعدل قراءة البريطاني حوالي 7 كتب في العام . وهنا حمّل الكثير الظروف السياسّية والاقتصاديّة المسؤولية ، بينما رأى آخرون أن مثل هذه الظروف لابدَ أن تكون محفزاً لا عائقاً للقراءة .

وإذا ما أتينا إلى ما يُصدر من مطبوعات في الوطن العربيّ ، ففي عام 2006 – على سبيل المثال – فإنها لم تتجاوز 7 عناوين في عمان ، و3900 مما أصدِر في المملكة العربيّة السعودية ، أما قطر والأدرن ومصر فقد شكلت حوالي 511209 ، وفي الجانب الآخر ، فقد أصدر في ذات العام 21300 كتاب من الكيان الصهيوني وحده ! ، وطبعاً لا مجال للمقارنة بين عدد سكان الكيان الصهيوني والوطن العربي .

إنّ إدراكنا للعوائق التي تقفُ عقبة في طريقنا كفيلةٌ بأن تعطينا التشخيصَ المناسب لمعرفة العلاج ، وذلك بتجنبها والحرصِ على القضاء عليها . يقول المثل : " الجاهلُ عدو نفسِه " ، وجهلنا سببُ للوقوع فيها ، ابتداءً من اعتقادنا بأنَ لا حاجة للقراءة مع التطوّر والتقنياتِ البديلة في عصر التكنولوجيا والاتجاه المفرط نحو وسائل الإعلام والتقنيّة ، الذي يعدّ من أهم الأسباب المؤدية لعزوف الشباب عن القراءة ، حيثُ أن 50% من الشّباب ينشغلون بأجهزة التواصل والتكنولوجيا الحديثّة . ومن الأسباب أيضاً ميلانُنا نحو أسرع الطرق ليس للمعرفة وحسب ، وإنّما السرعة أيضاً في هاجسنا في جوانب المال والمناصب ، فالمهم هو الوصول دون مشّقة المعلومة .

" الإنسان القارِئ تصعُب هزيمتُه " ؛ ولذا فإن الأمّة القارئة تصعب هزيمتها ، وإذا أردنا أمتنا كذلك ، فإنّ أول الطرق لأن نجعل القراءة شغفاً لا ترفاً تبداً من الأسرة ، فالأسرَة هي من ترسُم الخطوط العميقة في شخصيّة الطفل ، وهي من تتحمل عبء صناعة رغباتِه ، وعليها أن تصنع رغبتهُ في القراءة ، وتهتمّ بتعويدهِ على القراءة واقتناءِ الكتُب بدلاً من الانغماس في اللهوِ وسفاسف الأمور ، ولطالما كان الاهتمامُ – في معظمِ الأحيان- أباً للفضائل .

ولا ريبَ أن ّالتشجيع لا يقفُ عند الحثّ وحسب ، بل يكونُ أيضاً بتوفير الجّو المناسب ، وتوفير مكتبة منزليّة ،والأهم القدوة الحسنة ، فلا تستغرب أنّ طفلك لا يُمارس القراءة ، إذا لم تكن أنت تفعل ذلك !

وبالطبّع فإن النهوض بالقراءة ودورها في المجتمع لا يقتصر على الأسرة فقط ، بل ويمتدُ للمدرسة والإعلام ويشمل المجتمع بأسره . وإذا أردنا أن تأخذ القراءة مجراها في وطننا العربي ، فإن أولى الخطوات تتمثل في إعادة الكتاب إلى مكانتهِ المرموقة ، في بيوتنا ، مدارسنا ، وفي وسائل الإعلام المختلفة ، إضافةَ إلى دعم الكتب والمؤلفين بشّى الأنواع والطّرق . فمتى ما رُفعَ من شأنِ الكتاب والقراءة ، ازدهرت أمتنا وعادت أمّة إقرأ لمكانتها. 



(كُتبت لمقرر اللغة العربية1 - 5 أبريل 2015)

حياةُ المدينة

0
صباح جديد مُثقل كأي صباح آخر، لمَ تبدو الصباحات باهتةَ بلا روح في المدينة؟
 أليست ذات الشمس تشرق هنا وهناك؟ لمَ تبدو الشمس هناك دافئة حانية؟ تبدّد ظلام النفس قبل ظلام الليل، وتعطي النفس جرعة من الأمل كل يوم، وهنا تبدو كمن يؤدي دوراً وينحسر، روتينية شمس المدينة!

صباح المدينة صباحُ بوجه مساء ..
أين صياح الديك وزغزغة الطيور؟ أين صباح لثغة الشحرور؟
أين خرير الساقية؟ وأنغام الطاحون؟
أين رائحة الخبز الحار؟ وعبير الجو المفعم بالبرتقال وسنابل القمح؟

حياة المدينة..
تختفي فيها الأصوات العذبة، والوجوه الراضية، إما ضجيج يقتل الرأس صداعاً، أو هدوء تام فلا تسمع إلا همساً.
 صباح المدينة بأصواتِ الأبواق المزعجة للسيارات التي لا يعرف أصحابها سوى معنى السرعة في الوجود، أما مساؤها فبإيقاع الجاز الصاخب النابع من المقاهي والملاهي التي يترددُها عشرات التافهين أو التائهين عن معنى الحياة.

ألا تبدو المدينة بين الأبيض والأسود كدرجات الرماد؟
أين اخضرار المروج؟ أين النعّناع والبابونج؟
 لم يعد سوى أكثر من مجرد نبتة تتخذ من أمام النافذة مكان لها ـ لتستنفذ حياتها هناك، وتستبدل بأخرى دون أن يؤخذ من عصارة روحها شيئاً، ذابلة تماماً كسكان المدينة! 
لمّ الناس هنا أموات بشكل أحياء؟  أليس ذات البشر هنا وهناك؟ لم الوجوه هنا شاحبة عابسة، كأنما سحب الدم منها؟ تماماً كزهرٍ بلا رحيق.

حياة المدينة حياة بلا ضياء!
أين النور الذي يخترق بيوت الحجر، والدفء الذي يتسلل إلى الأفئدة؟ 
هنا الأنوار مرهقة للأعين، متلفة للأعصاب.
 هنا هواء لا يتجدد، وكآبة لا تتبدد.
رشفات شايٍ على قمة تل صغير، ونسمات باردة ممزوجة بالمشموم والياسمين، أطيب من كوب قهوة من مقهى ادعى الرقّي بمظاهر سطحية، فعلاً، حياة المدينة سطحية جداً!
علاقاتنا سطحية مثلها تماماً، هنا القريب لا يصل قريبه والمسافات قصار..
جهار لوحي على الطاولة، سبيل التواصل مع العالم -كما يقال -، العديد من الروابط الإلكترونية تدعي بأن أسمى أهدافها الوصل والوصال، لكنها لم تحفظ أهم الروابط الغالية؛ فلا صديق وقت ضيقك، ولا قريب يطقيك.

حياة المدينة حضارة زائفة، ورفاهية زائلة. كم أمقت الحياة المليئة بالوحدة وأكاذيب التواصل!

على جانبِ من الغرفة، تتكدس لوحاتُ زيتية، كأنها منفذ للفضفضة والهرب من رتابة المدينة.
تلك اللوحات البيضاء غالباً ما تعكس الطبيعة، كأنها تبث الأشواق للريف وخضرته، وسماء الريف وزرقتها وشمس الريف وضيائها، إلا أنها في النهاية تظل مجرد ورق، لا يغير من حياة المدينة شيئاً.

حياة المدينة مبنية على التحديق! التحديق في الآخر، في البعيد، امتداداً إلى التحديق في اللا شيء.
حياة المدينة ترتدي كثيراً من المساحيق، فهي تخفي كآبة خلف بنايتها الشاهقة، وأنوارها الساطعة، ينخدع بها من يجذبه التنسيق ومن أعمى بصيرته البريق الزائف.

أن تعيش في المدينة، يعني أن تعيش كالمختنق، كشرنقة لم ولن تخرج من طورها، أن تزفر وتشهق ذات الكآبة كل يوم، أن تتسكع كالمراهق، وتتأنق كالحادق، بلا طعم للحياة!

حياة المدينة.. موت قبل حينه.




(كٌتبت لمقرر اللغة العربية2 - 24 أكتوبر 2016)

أرشيف المدوّنة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.