صباح جديد مُثقل كأي صباح آخر، لمَ تبدو الصباحات باهتةَ بلا روح في
المدينة؟
أليست ذات الشمس تشرق هنا وهناك؟ لمَ تبدو الشمس هناك دافئة حانية؟ تبدّد ظلام النفس قبل ظلام الليل، وتعطي النفس جرعة من الأمل كل يوم، وهنا تبدو كمن يؤدي دوراً وينحسر، روتينية شمس المدينة!
أليست ذات الشمس تشرق هنا وهناك؟ لمَ تبدو الشمس هناك دافئة حانية؟ تبدّد ظلام النفس قبل ظلام الليل، وتعطي النفس جرعة من الأمل كل يوم، وهنا تبدو كمن يؤدي دوراً وينحسر، روتينية شمس المدينة!
صباح المدينة صباحُ بوجه مساء ..
أين صياح الديك وزغزغة الطيور؟ أين صباح لثغة الشحرور؟
أين خرير الساقية؟ وأنغام الطاحون؟
أين رائحة الخبز الحار؟ وعبير الجو المفعم بالبرتقال وسنابل القمح؟
حياة المدينة..
تختفي فيها الأصوات العذبة، والوجوه الراضية، إما ضجيج يقتل الرأس صداعاً،
أو هدوء تام فلا تسمع إلا همساً.
صباح المدينة بأصواتِ الأبواق المزعجة للسيارات التي لا يعرف أصحابها سوى معنى السرعة في الوجود، أما مساؤها فبإيقاع الجاز الصاخب النابع من المقاهي والملاهي التي يترددُها عشرات التافهين أو التائهين عن معنى الحياة.
صباح المدينة بأصواتِ الأبواق المزعجة للسيارات التي لا يعرف أصحابها سوى معنى السرعة في الوجود، أما مساؤها فبإيقاع الجاز الصاخب النابع من المقاهي والملاهي التي يترددُها عشرات التافهين أو التائهين عن معنى الحياة.
ألا تبدو المدينة بين الأبيض والأسود كدرجات الرماد؟
أين اخضرار المروج؟ أين النعّناع والبابونج؟
لم يعد سوى أكثر من مجرد نبتة تتخذ من أمام النافذة مكان لها ـ لتستنفذ حياتها هناك، وتستبدل بأخرى دون أن يؤخذ من عصارة روحها شيئاً، ذابلة تماماً كسكان المدينة!
لمّ الناس هنا أموات بشكل أحياء؟ أليس ذات البشر هنا وهناك؟ لم الوجوه هنا شاحبة عابسة، كأنما سحب الدم منها؟ تماماً كزهرٍ بلا رحيق.
لم يعد سوى أكثر من مجرد نبتة تتخذ من أمام النافذة مكان لها ـ لتستنفذ حياتها هناك، وتستبدل بأخرى دون أن يؤخذ من عصارة روحها شيئاً، ذابلة تماماً كسكان المدينة!
لمّ الناس هنا أموات بشكل أحياء؟ أليس ذات البشر هنا وهناك؟ لم الوجوه هنا شاحبة عابسة، كأنما سحب الدم منها؟ تماماً كزهرٍ بلا رحيق.
حياة المدينة حياة بلا ضياء!
أين النور الذي يخترق بيوت الحجر، والدفء الذي يتسلل إلى الأفئدة؟
هنا الأنوار مرهقة للأعين، متلفة للأعصاب.
هنا الأنوار مرهقة للأعين، متلفة للأعصاب.
هنا هواء لا يتجدد، وكآبة لا تتبدد.
رشفات شايٍ على قمة تل صغير، ونسمات باردة ممزوجة بالمشموم والياسمين، أطيب
من كوب قهوة من مقهى ادعى الرقّي بمظاهر سطحية، فعلاً، حياة المدينة سطحية جداً!
علاقاتنا سطحية مثلها تماماً، هنا القريب لا يصل قريبه والمسافات قصار..
جهار لوحي على الطاولة، سبيل التواصل مع العالم -كما يقال -، العديد من
الروابط الإلكترونية تدعي بأن أسمى أهدافها الوصل والوصال، لكنها لم تحفظ أهم الروابط
الغالية؛ فلا صديق وقت ضيقك، ولا قريب يطقيك.
حياة المدينة حضارة زائفة، ورفاهية زائلة. كم أمقت الحياة المليئة بالوحدة
وأكاذيب التواصل!
على جانبِ من الغرفة، تتكدس لوحاتُ زيتية، كأنها منفذ للفضفضة والهرب من
رتابة المدينة.
تلك اللوحات البيضاء غالباً ما تعكس الطبيعة، كأنها تبث الأشواق للريف
وخضرته، وسماء الريف وزرقتها وشمس الريف وضيائها، إلا أنها في النهاية تظل مجرد
ورق، لا يغير من حياة المدينة شيئاً.
حياة المدينة مبنية على التحديق! التحديق في الآخر، في البعيد، امتداداً
إلى التحديق في اللا شيء.
حياة المدينة ترتدي كثيراً من المساحيق، فهي تخفي كآبة خلف بنايتها
الشاهقة، وأنوارها الساطعة، ينخدع بها من يجذبه التنسيق ومن أعمى بصيرته البريق
الزائف.
أن تعيش في المدينة، يعني أن تعيش كالمختنق، كشرنقة لم ولن تخرج من طورها،
أن تزفر وتشهق ذات الكآبة كل يوم، أن تتسكع كالمراهق، وتتأنق كالحادق، بلا طعم
للحياة!
حياة المدينة.. موت قبل حينه.
(كٌتبت لمقرر اللغة العربية2 - 24 أكتوبر 2016)
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق