بصائرُ وهدَى

0

كُنت أكتبُ رسائل يوميّة، وهي في الحقيقة شبهُ يومية وأحياناَ أسبوعية، ربّما أسميتهُا كذلكَ لأننا نتمسّك بالأيام، لاّن كل يومِ ينتهِي يُقرّبنا أكثَر فأكثر إلى الجُرف .. إلى نهاية كلِّ النهايات ..
كيف لا ونحنُ قومٌ يكرهون النهايات وينتظرون البدايات.. ألسنا نأجلُ الأشياء وندحر الأيامَ الغوالِي من أجِل البداياتِ الجديدة!
 لا يُهم .."ويمضي العُمر يا عُمري!"
 بالتقليب في وريقات تلك الرسائِل -التي لم تعُد اليوم تأخُذ حيزاً من خزانتِي-.. أجدُ انعكاس أحوالي فيها كأني أعيشها اللحظة، أي يومٍ أمسيتُ ضاحكةَ، أي يومٍ أصبحت دامعةَ، أيها كنتُ فيه أكتبُ وأنا في نشوة الإيمان، أي يومِ كُنت في غفلِة أتخبطّ كمن يتخبّطه الشيطان، وأي يومِ أمسيت أشهد ألا إلهَ إلا هو الرحمن الرحيم..
كأي بشر .. لا نعودُ إلى الصّوابِ إلا حينما تُمتحنُ القلوب، وحينَ تضيقُ بنا الدروب ..
حين ننتظِر العطاء، وحينَ يملؤنا الرّجاء ..
كان يترآءى أمامي في كلّ موقفٍ أو حادثةٍ شطر، أو بيت شِعر.. أمّا في الشدائد فلم ترتسِم أمام عينيّي إلا آية، أو بضع كلماتٍ من آية ..ويذكّرني كلّ ذلك بقصةٍ في آيات، وآية في قصّة ..
سورةُ يوسف .. ﴿لولآ أنْ رَأى بُرهَانَ رَبّه
عندما تُرسل إليك الكلماتُ لتكون دليك إلى الرشاد..
ليصّدك عن الزّلل ويرُدك إليه حينَ تنقِطع بِك السُّبل ..




***
نحنُ نتلو الآيات -والأصح نقرأ، لأن التلاوة تقتضي التدبّر- أو نسمعُها كلّ يوم، دون أن نستشعر معناها وروعتها وعِظمها، حتّى غدت قلوبنا كماءِ آجِن..
ولو فعلنا لحركّتها نسائمُ الذّكر فكانت نقيّة كماءٍ غير آسِن ..
لطالما نظرنَا إلى القرآنِ كمصدر يُستقى منُه التشريع والأحكام، أو تتفجر من تلاوتِه أنهارُ من الثواب فتطهَر الأدران وتمسَح الآثام، وذاك لا ريبَ فيه، لكنّه لا يكفيَه!
فآياتُه إعجاز ..وموعظةُ وتذكرةُ ..ورحمة، وأسلوبُ حياة ..!
هي السّراج إذا أظلمَ الطّريق، وهي العلاماتُ إذا تاهَ الدليل، وهي الأبواب لمتاهةِ الحياة..
هي الضياءَ للظلام، والجلاءُ للآلام..
هي الرّفيق الباقِي عندما يُغادر الجميع..
 ولو خانك ظلّك.. تظلّ معك، أنيسُ دربكِ ومُسامِر ليلكَ..
وإذا ارتبطت القلوب بالقرآن، فإنّ آياتهِ تتسرّب للأذهان، فكأن شخصاً ينفُث في جسدك طمأنينةَ، ويمسح على قلبك بلسماً وسكينَة..

***
تمرّ مواقف ترَى فيها الموتَ رأي العَين فتعبُر أمامكَ ﴿فاللهُ خيراً حافظاَ ..
وترفعُ بصرك للسماء، وتأتيكَ الطمأنينةَ ﴿وفي السّماء رزقكم وما توعدون ..
وتتتجرّع السّهاد ليالٍ تتمنّى لو أن الأرض انشقت وبلعتك ، وتجبركَ: ﴿ما ودّعك ربّك وما قلى 
و﴿كتبّ ربّكم على نفسِه الرّحمة ..
تتساءل أين ثواب أعمالك، وتأتيكَ الإجابة ﴿إنما توفون أجوركم يوم القيامة 
تكتمُ أحزان قلبكَ عن العالمين، وتوقِن أنّ هناك من يسمعُ بوحَك، ربّ العالمين ﴿ إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله
تتكدّر من أمرِ لطالما رجوته وأفنيتَ عمرك في انتظاره، ثم يسري الأمل إلى قلبِك بـ﴿لا تدري لعلّ الله يُحدث بعد ذلِك أمراً !

تلك هي الحياة القرآنيّة.. الأمل القرآنِي، الحبّ القرآني، التفاؤل القرآنِي، النّور القرآني، الصبر القرآني، المواساة القرآنيّة ..
 يُدهشنّي كُلّ ذاك الجمالِ والهُدى الربّانِي!

 ***
وأنتَ تقرأ الآيات، سَتوقفُك آية.. اعلم حينها أن عينّك ما وقفت عليها إلا ليقفَ عندها قلبَك..
هي اختارتك لم تخترها، لتُجدد في روحك أمرا، أو تمّدك صبرا، أو تُلهمَك ذكِرا ..

وماذا لو؟
خططتّها على ورقة ووضعتَها على مكتبك، أو بين أحضانِ أول ورقتين في دفترك؟!
­رتّلها لتعلم، وكررها لتطمئن، واعمل بها لتوقِن..
وتذكّر ..﴿هذا بصائرُ للناسِ وهدَى



أ.خ

الجمعة  - 17 فبراير 2017

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق

أرشيف المدوّنة

يتم التشغيل بواسطة Blogger.